القاعدة
الحادية و العشرون: الدعاء وكثرة التضرع إلى الله
فما أصابنا من هموم وغموم إلا بسبب
الذنوب، قال تعالى: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ
كَثِيرٍ ) (الشورى "30")
وهذا محمد بن سيرين يقول لما ركبه
الدين واغتم لذلك: إني لأعرف هذا الغم بذنب أحدثته، منذ أربعين سنة.
كم فرطنا في جنب الله، وكم اقترفنا من
الذنوب والآثام ولكن الله رحيم بنا يعفو
عن كثير، ولتكن حالات الضعف حين نزول المصائب باب عودة و توبة، فإن الله جل جلاله يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن
السيئات، (ما نزل بلاء إلا بذنب، و لا رفع إلا بتوبة).
القاعة
الثانية والعشرون: عدم المبالاة بأذية الناس
علمت كلاما جميلا للإمام الشافعي رحمه الله حيث قال: من
ظن أنه يسلم من كلام الناس فهو مجنون.
ومن حفظ لسانه أكرمه الله خصوصاً في هتك أسرار أو غير ذلك، وأشر بحسنات تهدى إليك
وأنت غافل لا تعلم عنها شيئا، إلا يوم تنشر الصحف في ذلك الموقف العظيم، قال الرسول
صلى الله عليه وسلم: «أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك» (رواه
الترمذي).
القاعدة الثالثة والعشرون : الفزع
إلى الصلاة
في الصلاة راحة وطمأنينة
للنفس وهي من أبواب الإستعانة على نوائب
الدنيا قال تعالى : (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا
لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ)(البقرة "45").
وكان صلى الله عليه وسلم يقول: «أرحنا بالصلاة يا بلال».
القاعدة الرابعة والعشرون : أبشر
بالأجر العظيم
أعد الله الأجر والمثوبة ورفع الدرجات
وتكفير السيئات، لمن أصابه هم وغم وحزن (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم
بِغَيْرِ حِسَابٍ) (الزمر"١٠")٠
وقال ابن أبي الدنيا: كانوا يرجون في
حمى ليلة، كفارة ما مضى من الذنوب.
القاعدة
الخامسة و العشرون: معرفة أنها ليست بأعظم منها
المصائب تتفاوت وكل حالة بقدرها؛ ولكن أعظمها المصيبة في الدين، فهي أعظم
مصائب الدنيا والآخرة، والحرمان الذي لا طمع معه .
القاعدة السادسة والعشرون : معرفة
نعم الله جل جلاله الأخرى
من أعظم ما يهون المصيبة، أن يستشعر الإنسان نعم الله جل جلاله عليه، فها هو حي يصلي و يستغفر ويصوم، وها هو
يمشي على رجلين وغيره مقعد، وها هو له يدان وعينان وغيره مشلول أو كفيف وهكذا.
فإن الإنسان إذا تذكر نعم الله جل جلاله في جنب ما نزل به من مصائب، يهون الأمر ويدفعه
ذلك إلى شكر المنعم وهوان المصيبة.
القاعدة السابعة والعشرون:عند اتخاذ قرار هناك حساب جيد للمسألة
وهي ضم مجموعة من الحلول،
ونجعل لكل حل إيجابيات وسلبيات، ويكتب ذلك على ورقة، ولتكن الدرجة (١٠٠) تقسم بين
الإيجابيات والسلبيات في كل حل، ثم نوازن بين تلك الدرجات ونقلل السلبيات قدر
المستطاع لأن أثرها قد يكون مستقبلياً، ونخرج بحل مثالي فيه الدرجة الأعلى
للإيجابيات
مثال:
امرأة حصل بينها وبين زوجها مشكلة وخرجت بعدة حلول منها:
|
م |
الحلول |
إيجابيات |
سلبيات |
|
١ |
أن تخرج من بيتها و تذهب
إلى أهلها |
٧٠ |
٣٠ |
|
٢ |
أن تخبر عمها مثلا، أو
إمام المسجد عن طريق زوجته |
٥٠ |
٥٠ |
|
٣ |
أن تصبر وتستعين على حل
المشكلة بأمور أخرى |
٨٠ |
٢٠ |
عند هذا الحل يتضح أن الحل
الثالث هو أقل الحلول ضررا عليها فتأخذ به.
القاعدة الثامنة والعشرون : إدخال أطراف أخرى في القضية
بعض الأحداث والمشاكل تحتاج إلى إدخال أطراف مهمة في علاج
القضية، فمثلا امرأة زوجها لا يصلي في المسجد، من الحلول المطروحة لمعالجة هذا
الأمر العظيم أن يتدخل إمام المسجد عن طريق زوجته، في حل مشكلة الزوج الذي لا
يصلي، وذلك بأن يزوره ويسلم عليه ويتابعه في أمر الصلاة، وربما كان في تربية
الأبناء إدخال بعض الأقارب أو المدرسين وهكذا.
ويتنبه إلى أن من يتم إدخالها في المشكلة يكون الحديث معهم في
أصل المشكلة فحسب.
القاعدة التاسعة و العشرون: البحث في أسباب المشكلة
غالب المشاكل لا تولد فجأة بل لها مسببات وعوامل تذكيها
حتى تقع، ففي جانب التربية مثلا، لا ينحرف الشاب أو الفتاة هكذا في يوم وليلة، بل
في تدرج يطول أو يقصر، مع وجود عوامل مساعدة للانحراف، كصديق السوء مثلا أو
القنوات أو الهاتف أو غيرها، ولهذا فإن من عوامل علاج المشكلة، معرفة جذورها،
ومعالجتها معالجة تامة وقد يطول العلاج بحسب الإهمال السابق وبحسب العامل المؤثر
وقوته، وكذلك بحسب شخصية المنحرف وغيرها.
القاعدة الثلاثون: حفظ اللسان
بعض المشاكل يكون وقودها اللسان، فقد ينقل كلام إلى
الطرف الآخر، والأمور متيسرة، فإذا بها تتعسر، ولهذا فإن صون اللسان عن الغيبة
والنميمة والكذب والإستهزاء والتحقير
والشتم ، يؤجر عليه المسلم، فما بالك إذا كان ذلك في معمعة المشاكل، والصدور قد
امتلأت؟ ولا يضرك أن يكون الطرف الآخر قد أخذ بهذه الأمراض وأجراها على لسانه فخير
لك أن لا تتبعه في ذلك، وتوكل على الله، واسأله أن يكفيك الشر.
في مشكلة الطلاق مثلا، يكفي من الحلول ايقافها عند حدها،
حتى لا تنتشر فتضر، وتسوء عشرة ما بعد الطلاق، وخاصة إذا كان هناك أبناء، ثم هي
أيضا قد تعالج ما بعد مشكلة الطلاق فيعود الزوج إلى زوجته والأم إلى بيتها ، ويكفي من العلاج عدم انتشار المشكلة وشيوعها وتصاعد حدتها.
القاعدة
الثانية والثلاثون: لا تجعل المشكلة تأخذ كل وقتك
لا شك أن المشكلة التي وقعت فيها كبيرة وعظيمة كما تظن،
لكن ليست هي كل شيء، ولا تأخذ كل وقتك وتفكيرك، مما يؤدي بك
إلى مشاكل أخرى، وهي تعطيل أعمال وزيادة القلق والاضطراب، بل أنزل هذه المشكلة
منزلتها، وأد أعمالك كما كنت تعمل، بل واجعل لك زيادة وقت، في الترويح عن النفس
ولقاء المعارف والأصدقاء حتى تعوض ما فقدته من انشراح و سرور.
القاعدة
الثالثة و الثلاثون: معرفة شخصية الطرف الأخر
بعض المشاكل
يوجد فيها طرف آخر أو أطراف أخرى، و مثال بالزوج وزوجته أو الابن وأهله، ولمعرفة
شخصية الطرف الآخر أهمية في اتخاذ القرار المناسب، فبعضهم مزاجي الشخصية، والآخر
عطوف وحنون، والثالث يندم ويتوب إلى رشده سريعاً، والرابع إذا خوف بالله يخاف
وهكذا.
وقد ينطلق الحل من معرفة المدخل الصحيح لشخصيته.
القاعدة
الرابعة و الثلاثون: البيئة المحيطة
لكل مشكلة بيئة تنشأ فيها، فلا بد من معرفة هذا الوسط،
ومن يؤثر على الطرف الآخر في هذا الوسط، وبالإمكان إرسال رسائل مع الوسيط لمعرفة
آلية تفكيره وماذا يريد أن يفعل وكيف يتصرف وهكذا؟ وبعض الناس لهم أشخاص يعتبرون
مرجعاً لهم في كل شيء فيحسن معرفة من يستشير؟ فلربما تم اتخاذ القرار عن طريق من
يؤثر عليه من وسطه من الأقارب وغيرهم.
القاعدة
الخامسة و الثلاثون: الإطلاع على أحوال الناس
في بعض المجالس، يستطيع الانسان أن يثير قضية مشابهة
لقضيته، فيدع الحضور يتحدثون ويلقون بالآراء والحلول، وتستمع إلى الحلول وتختار
أجودها، ولسوف ترى كيف هي أحوال الناس وكيف مرت بهم الأزمات؟ بل وقد تكون أشد من
أزمتك.. وفي حديث الناس تسلية لقلبك، وأنك لست في المشاكل لوحدك ولا يخلو بيت من
مشكلة، لكن الأحوال مستورة والبيوت معمورة، والمطلع هو الله.
نشأت في الفترة الأخيرة، بعض المراكز الاستشارية؛ خاصة
فيما يتعلق بأمر المعاملات الزوجية، وكيفية حل الخلافات، ولعل فيها بعض التجارب
والآراء النافعة.
القاعدة
السابعة و الثلاثون : الإستشارة
إذا وقع الإنسان في أمر من أمور الدنيا، فإنه يحتاج إلى
رأي صائب وفكر مستنير، يستعين به بعد الله جل جلاله؛ وهنا يبرز السؤال المهم، من
يستشير؟ وإلى من يبث شكواه وهمه؟
قال عمر بن الخطاب في: لا تكلم فيما لا يعنيك واعرف عدوك
واحذر صديقك إلا الأمين، ولا أمين إلا من يخشى الله، ولا تمش مع الفاجر فيعلمك من
فجوره ولا تطلعه على سرك، ولا تشاوره في أمرك، إلا الذين يخشون الله جل جلاله.
فالمقترح الأول: أن يستشير من هم بعيدون عنه، حتى يحتفظ
بأسراره ومشاكله، بعيدا عن نشرها وإذاعتها.
والمقترح الآخر: أن من يستشيرهم : أهل العلم والفضل،
فيجمع بين أمرين: عدم إفشاء أسراره لأحد لكثرة من يتصل على العلماء والمشايخ،
والآخر أنهم أهل فضل وورع، يدلونك على حل فيه العلم والنور بإذن الله .
القاعدة
الثامنة والثلاثون : الإستخارة
تفكر في بعض الحلول، فعليك بعد الإستشارة وسماع الآراء لحل المشكلة،
الاستخارة الشرعية التي دل عليها النبي كما جاء في الحديث: «إذا هم أحدكم بالأمر
فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل؟ اللهم إفي أستخيرك بعلمك، وأستقدرك
بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم وأنت علام
الغيوب، اللهم فإن كنت تعلم هذا الأمر وتسميه باسمه، خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة
أمري فقدره ويسره لي ثم بارك لي فيه؛ اللهم وإن كنت تعلمه شرا لي في ديني ومعاشي
وعاقبة أمري، فاصرفني عنه واصرفه عني، واقدر لي الخير حيث كان، ثم رضني به ولا حول
ولا قوة إلا بالله» .
القاعدة
التاسعة والثلاثون: الوقت والزمن
الوقت جزء من العلاج، بل قد يكون لوحده علاجا فالأيام
تمر مر السحاب، والليالي تجري ، فينسى الميت، وتتزوج المطلقة ويكبر الصغير، وتسلى
الأم عن رضيعها، والله المستعان.
فدع الأيام تمر، واكسب عملاً صالحاً، يقربك إلى الله زلفى،
فإن الأيام تأخذ دورتها، والأنفاس إلى أجلها، ثم يأتي هادم اللذات ليحمل قلباً حمل
هماً، وعقلا تعب تفكيراً، ثم الجزاء والحساب، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
القاعدة
الأربعون : تفويض الأمر إلى الله
الإنسان يكد ويكدح في هذه الدنيا، وليس له منها إلا ما
كتبه الله ٠ فإذا بذل الأسباب واستشار واستخار، فإن الأمر كله لله يدبر الأمر كيف
يشاء، فلتطب نفسك بحكم الله وقضائه، خاصة أنك بذلت ما في وسعك، فالحمد لله مقدر
الأمور، وعليك بالفرح والسعادة وأنت تلجأ إلى ركن شديد ورب غفور رحيم.
وتأمل في حال النبي له وهو يتحسر على إعراض قومه بعد أن بذل وسعه في دعوتهم، فخاطبه المولى جل وعلا بقوله ( لَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾ ( فاطر"8").
الخاتــــمة
أخي المسلم:
إذا فجعتك المصائب، ونزلت بك الهموم، من حوادث الدنيا
المقدرة فعليك بمنزلة الرضا، فإنها المنزلة الأولى، فارض بقضاء الله وقدره.
والدرجة الثانية: الصبر على البلاء، وهذه لمن لم يستطع
الرضا بالقضاء، فالرضا فعل مندوب إليه مستحب، والصبر واجب على المؤمن .
واعلم أنه متى أصابك مكروه فاعلم أن الذي قدره حكيم عليم
يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، وأنه تعالى قد تنوعت رحمته على عبده، يرحمه فيعطيه،
ثم يرحمه فيوفقه للشكر، ويرحمه فيبتليه، ثم يرحمه فيوفقه للصبر و يجعل ذلك البلاء
مكفراً لذنوبه وآثامه ومنمياً لحسناته ورافعا لدرجاته.
