كانت عاقلة .. و حكيمة ..



كانت عاقلة .. و حكيمة


( قصة للكاتب / عبد الوهاب مطاوع )

من كتاب : وقت للسعادة ووقت للبكاء



قرار الزواج

دهشت حين سمعت بنبأ زواجه ، وتمنيت أن أرى تلك الفتاة التي استطاعت أن تقنع هذا الصديق ( المتوحد » بأن يتزوج . واختفى الصديق العجيب عدة شهور ثم ظهر في جلسته الليلية المعتادة بالمقهى.. واقتربتُ منه مهللاً ومهنئا بالزواج السعيد ، فأجابني في هدوء بأنه قد طلق زوجته منذ أيام ! وأحسست بحرج شديد وهممت بأن أعتذر له عن الإشارة لهذا الأمر المحرج، لكني وجدته باسماً هادىء الأعصاب لا يحس بالحرج ولا بالضيق ، فتشجعت بعد قليل وسألته عن سبب طلاقه لزوجته فأجابني باسماً بسخريته المعتادة :

- لأنها كاذبة ! وأنا لا أحب الكذب !
وسكت وأنا أقاوم رغبة طاغية في أن أعرف منه تفاصيل تجربته التي خرقت المألوف في سرعة الزواج .. وسرعة الطلاق ، فسألته بعد قليل : - وماذا ظهر لك من كذبها إلى حد أن تدمر حياتك الزوجية بهذه السرعة ؟

فاتسعت ابتسامته وقال وهو يرشف قهوته ويدخن بتلذذ غريب :


سبب الطلاق


فوجئت بها بعد أسبوع واحد من زواجنا تقول لي: ان البيت « عاوز فلوس » فدهشت لهذه الكذبة وقلت بيني وبين نفسي لعلها من آثار حياتها بين أهلها الذين كانوا فيما يبدو يتساهلون معها في « الكذب » .. أن تتخلص تدريجيا معي من هذه الآفة .. لكنها ظلت بعد ذلك تقول لي كل يوم إن البيت " عاوز فلوس" فعرفت أنها مدمنة للكذب ( ولا أمل في إصلاحها فتفاهمنا وديا على الطلاق وانفصلنا)

واختلط على الأمر فلم أفهم شيئا .. وسألته محاذرا : ولكن أين الكذب فيما قالت ؟
فنظر إلى متظاهرا بالعجب وقال : وهل هناك دليل على الكذب أكثر ذلك ؟ لقد كانت تقول لي بجرأة عجيبة: إن البيت عاوز فلوس». فهل البيت ( يتكلم » لكي يطلب نقوداً ! .

وأدركت ما يقصده فانفجرت ضاحكاً .. وشاركني هو بابتهاج .. وفهمت سر فشل زواجه المتوقع من البداية .. فصديقي هذا ليس أعزب ، مزمن، فقط لكنه شخص " متوحد " في نفسه أورثته حياة الوحدة منفصلا عن أهله منذ سن الصبا عادات وطباع الأعزب المزمن الذي تنحصر كل اهتماماته في ذاته، وأورثته معركته القاسية مع الحياة لتوفير الحد الأدنى من الأمان المادي له حرصاً شديدا على النقود ، وعجزاً غريباً عن الاستعداد لأن ينفق منها قرشاً واحداً لغير احتياجاته ومطالبه الشخصية هو وحده فقط ، ولهذا فلقد كان دائما صديقاً بلا أ صدقاء يجلس مع الجميع .. ويتسامر معهم ويستظرفه كثيرون لخفة ظله ولشخصيته الغريبة، لكنه لا يتنمي لأحد إلا لنفسه .. ولا ينتمي حتى لأحد .

أسرته التي انفصل عنها وهو طالب بالجامعة لخلاف لم يبح بسره... ولم يبح لأحد حتى بعنوان أسرته ولا بأي معلومات عنها .. فعاش بيننا ونحن لا نعرف عنه ما إذا كان له أب وأم وإخوة ككل البشر أم لا .. وانطلق إلى الحياة الواسعة .. يتكسب رزقه بالترجمة في مكاتب الترجمة وبممارسة كل الأعمال الممكنة وغير الممكنة .. ويتنقل بين الفنادق الصغيرة الرخيصة ، أو يؤجر أحياناً شقة مفروشة مع زميل له متزوج فيقيم هو فيها إقامة دائمة ويتردد عليها الزميل المتزوج من حين لآخر في مواعيد محددة ليلتقي فيها بزوجة سرية له يخفي أمرها عن زوجته وأولاده ، ويدفع نصف الإيجار وهو يوصي صديقه بكتمان سره وبعدم السماح لأحد باستخدام الشقة حتى لا يتصادف لا يتصادف وجوده مع حضوره فيواجه الحرج . والصديق المتوحد يضمن له ذلك ويؤكده . وبعد عامين من المشاركة يبوح الزميل المتزوج بسره لزميل ثالث لهما في العمل يعيش بالصدفة قصة مشابهة ويشارك هو الآخر شخصا "موثوقاً به" في شقته المفروشة التي يدفع له نصف ايجارها .. فيكتشف كل منهما أنه يشارك نفس الصديق المتوحد  في شقته من غير أن يعرف ، ويتبينان أن كلا منهما يدفع نصف إيجار الشقة .. فلا يدفع الصديق الخبيث شيئاً .. وانه يرتب مواعيدهما بحيث لا يكتشف كل منهما أمره ، وحين يواجهه كل منهما بالخديعة يتخلص منه بنكتة لاذعة فلا يملك كل منهما أيضاً إلا الضحك من أحواله العجيبة.


وهكذا عاش حياته حتى تجاوز الأربعين من غير أن يفكر في الزواج أو يعرف الحب .. أو يرتبط في يوم من الأيام بأي انسانة ، وكان ذلك منطقيا تماماً مع شخصيته . فالحب عطاء وهو غير قادر على العطاء إلا لنفسه .. فكيف يبذل من مشاعره وفكره واهتمامه لأي إنسان غير ذاته 
الغالية !


ثم استقرت أحواله المادية بعد كفاح رهيب وبفضل حرصه الشديد على ألا ينفق قرشاً واحداً إلا حين لا يصبح هناك مفر من إنفاقه . وقرر أن يصنع لنفسه حياة لائقة ، فكافأ نفسه بعد سنوات التشرد الطويلة بين الفنادق والشقق المفروشة باستئجار شقة صغيرة .. ورحم نفسه من المشي لمسافات طويلة فاشتري سيارة قديمة، ثم تلفت حوله يتساءل عما ينقصه، فقيل له الزواج ! فتساءل : وكيف السبيل إلى الزواج ؟ فأشاروا عليه بفتاة في الثلاثين من عمرها لم تتزوج وتعمل عملاً محترماً وتتقاضى مرتباً كبيراً وأحوالها المادية مستقرة ولها رصيد كبير في البنك ، ولا تتطلع لشيء إلا لحياة الأسرة والاستقرار ورآها فأعجب برزانتها، وقال لنفسه إنه لا يحتاج إلا لمثل هذه الزوجة الرصينة التي كاد يفوتها قطار الزواج والتي تعتمد على نفسها في حياتها ولا تحتاج إلا إلى « ظل » رجل مثله .. أما مسألة الشكل فلا تهم، فإذا كانت ليست باهرة الجمال فهو أيضا ليس عمر الشريف » ولا « آلان ديلون » وهكذا التقت النوايا المختلفة.



زواج بلا مسئولية


وتزوجا . وأحسب أن صديقي هذا أقدم على تجربة الزواج وهو يتصور أنها تجربة مماثلة تماماً لتجربة المشاركة في السكن التي عرفها طويلاً وتحايل بها في بعض الأحيان على السكنى مجاناً ، ثم حين تكشفت له التجربة عن شيء آخر مخالف تماماً ارتج عليه الأمر .. ولم يستطع أن يفهم "حكمة " أو منطق هذه العلاقة العجيبة التي اسمها الزواج ! إذ ما معنى أن يصبح منذ اليوم الأول الذى انتقلت فيه زوجته إلى بيته ليس مسئولاً فقط عن " ذاته " الغالية واحتياجاتها وإنما عن أخرى غريبة عنه تنتظر منه أن يضعها في بؤرة اهتماماته ، ويصبح مسئولاً عن سعادتها وإرضائها والتسرية عنها ثم - ويا للهول ـ عن طعامها وشرابها وملابسها وعلاجها إذا مرضت .. وحمايتها إذا تعرضت لخطر إذن ماذا يتبقى من اهتمامه ونقوده ليوجهه لنفسه العزيزة ، إذا هو فعل ذلك ؟


إنها « كائن ( مستقل عنه يعمل ويكسب ويتحمل مسئوليته عن نفسه فلماذا يطالبه بأن يعوله ( ويتحمل عنه مسئوليته ؟ إن هذا استنطاع ) عجيب لم يستطع أن يفهمه ويتعجب ممن يستسلمون له بلا مقاومة إذ هل من «العقل » أن تختار سيدة ) غريبة (( فستاناً جميلاً رأته فى محل تجارى وأعجبها .. فيلفه لها البائع ويقول لها مبروك، وبدلاً من أن تفتح هي حقيبة يدها وتخرج منها ثمن ما اشترت .. تنظر إلى آخر باسمة، وتنتظر منه أن يخرج هو نقوده الثمينة ليدفع عنها ثمن ما اشترت هي ؟ وهل من ( العقل " أن تمرض هى" فيدفع «هو» ثمن علاجها من 
مرضها الذي أصابها ولم يصبه ؟ وهل من «العقل» أن تحمل هى» فيصبح هو مسئولاً عن رعايتها الصحية ويدفع للطبيب وللصيدلية كل ما تتطلبه رعايتها من أجور ونفقات ؟
ثم ما هذا الاستنطاع العجيب الذى اعتادته المرأة منذ أقدم العصور ، حين تأتى لك من عالم الغيب بقطعة من اللحم الطرى فتصبح أنت ومنذ اللحظة الأولى مسئولاً عن تغذيتها ورعايتها وملابسها ولعبها وعلاجها وطعامها وتعليمها منذ لحظة الولادة إلى سن والعشرين وربما أكثر . وكل هذا من غير أن تشارك السيدة التي جاءت بهذا المولود فى مسئوليته المادية بشيء طوال العمر .. عقل هذا أم جنون ؟!.


زواج أم شركاء في السكن

لقد كان يتصور أن زوجته رصينة ورزينة كما رآها لأول مرة وسوف تقنع من حياتهما المشتركة بانس الصحبة .. وشركة السكن .. وتناول القهوة معاً في الصباح، على أن يتحمل كل منهما مسئوليته الكاملة عن وعن أفعاله» ، سواء أنجب أم لم ينجب ، فتدفع نصف إيجار الشقة ونصف فاتورة الكهرباء والتليفون والغاز ونصف بنزين السيارة ونصف كل شيء تتكلفه حياتهما .. كما يفعل المتحضرون .. ولا بأس بعد من أن يدعوها مرة لتناول فنجان من الشاي في مكان عام ، فترد له الدعوة فى نفس الليلة بدعوته للعشاء في مطعم أنيق . أو أن يهديها وردة فى عيد ميلادها فتهديه قميصاً وكرافت وبدلة وحذاء في عيد ميلاده ، وبذلك يكون الزواج استثماراً ناجحاً ومباركاً ومفيداً للطرفين وليس ذلك من

إستنزافاً لطرف لحساب طرف آخر يتصاعد رصيده فى البنك وينمو ! وصارحها بأفكارها «التقدمية» ففوجىء بأفكاره «المتخلفة» .. 


مفأجاة حقيقة الزواج


وذهل حين وجدها تتحدث عما يقول به الشرع عن مسئولية الرجل الكاملة عن زوجته وأولاده حتى ولو كانت زوجته ذات مال ، أو عن انفصال ذمة الزوجة المالية عن ذمة زوجها وحقها فى أن تتصرف في مالها الخاص كما تشاء بغير إذن زوجها ، وكره فى أعماقه تلك الحكاية السخيفة التي روتها له عن احتكام زوجين فى هذا الأمر إلى أحد الفقهاء وكيف حكم الفقيه غير العادل » على الزوج بأن ينفق على زوجته أو يطلقها مختصراً القضية كلها فى عبارة موجزة هي : إما انفاق وإما طلاق !

لم يكن صديقي مستعداً لأن يدفع من مشاعره أو ماله أو اهتمامه لأى إنسان فى الوجود لهذا فقد تحطم الزواج سريعاً ، وتفاهما ودياً على الطلاق . واستراح الصديق لما توصل إليه لكن ابتهاجه بهذا الحل السعيد لم يطل ، فلقد فوجيء بمفاجأة مذهلة هي أن عليه أن يدفع» أيضاً لكى «الخطأ الذى ارتكبه بالزواج .. وكاد عقله ينفجر وهو يتساءل كأنه إنسان وثنى لا يعرف شرعاً ولا ديناً عمن «أفتى» بأن يدفع الرجل إذا أراد الزواج ثم يدفع  مرة أخرى إذا أراد الطلاق ؟!


وأصيب بما يشبه اللوثة حين عرف أن عليه أن يدفع أجر المأذون ومؤخر الصداق ونفقة المتعة ونفقة الزوجة المطلقة لمدة سنة وخاطب زوجته أمام المأذون بلهجة مؤثرة قائلاً : هل ترضين بأكل مال اليتامى؟ . إنني يتيم منذ صغرى وتخلى أهلى عنى منذ الصبا ، وكافحت كفاحاً مريراً حتى تعلمت وتوظفت ، وتشردت في الشوارع سنوات طويلة حتى استطعت أن أؤمن حياتى وأوفر لنفسى مسكناً وسيارة ورصيداً فى البنك صنعته بدمى وعرقي وحرماني من متع الحياة ، وأنت بنت ناس .. طيبة من سلالة طيبين ولم أسيء إليك في شيء منذ تعارفنا .. وما بيننا ليس سوى خلاف فى وجهات النظر فهل يرضى ضميرك باغتيال كل هذا القدر من مالى الذي شقيت الجمعه بدعوى الحقوق الشرعية للمطلقة؟! إننى أناشد قلبك وضميرك وإنسانيتك قبل كل شيء فهل ترضين بذلك حقاً؟!.


طلاق في هدوء




وتعجب المأذون مما سمع واستنكره .. وتهكم عليه والد الزوجة وشقيقها ، لكن الجميع فوجئوا بالزوجة تفكر قليلاً وهي مطرقة الرأس ، ثم ترفع رأسها باسمة وتعلن أنها توافق على التنازل عن نصف حقوقها الزوجية إكراماً للعشرة التى كانت بينهما ومراعاة لظروفه ؟ وثار عليها أبوها وشقيقها والمأذون نفسه لكنها صممت على رأيها ..


وتمت تسوية الأمر وكتب الصديق المفجوع فى ماله شيكاً بقيمة المبلغ المطلوب بعد التخفيض وتم الطلاق فى هدوء ورقد صديقي مريضاً في فراشه بعد انصراف زوجته والمأذون ، وارتفعت حرارته إلى درجة الخطر وظلت كذلك لمدة ثلاثة أيام كان خلالها يهذى من الحمى .. ثم أشفق على نفسه الغالية من الاستسلام للمرض والغم والاكتئاب ، فاستجمع إرادته ليبرأ من الحمى والاكتئاب وروّح عن نفسه بأن راح يذكرها في كل 
حظة بأنه قد وفر نصف المبلغ الذى كان ينبغى عليه أن يدفعه ثم خرج للحياة يلتمس السلوى والعزاء في جلسة المقهى.

واختلف الأصدقاء أو المعارف بمعنى أصح لأن صديقي هذا ليس له أصدقاء ، فى تفسير سر استجابة زوجته لخطبته المؤثرة أمامها ، فقال البعض إنها رقت لحاله مع إدراكها العميق لبخله ، ولمدى تأثره بهذه الغرامة الباهظة فأعفته من نصفها لأنها لا تحمل له مرارة .. ولم تنكر عليه شيئاً خلال عشرتهما سوى مفهومه الخاص هذا عن الزواج ، حتى لقد كان يغلبها الضحك أحياناً حين يجادلها فى حكاية مصروف البيت ! وقال آخرون إنها أرادت أن تحافظ على شعرة معاوية بينه وبينها عسى أن يراجع نفسه فيما بعد ويصحح أخطاءه فيسعى ذات يوم لإعادتها لعصمته بعد أن يكون قد تحول إلى إنسان آخر يعرف معنى الحياة 
الزوجية .

أما أنا فلم أقتنع بهذا ولا بذاك وإنما رأيت أن مطلقة صديقي هذه سيدة عاقلة وبعيدة النظر .. تزوجته زواج صالون من غير أن تعرفه وتدرس شخصيته، ولو أتيحت لها فرصة معرفته عن قرب لعرفت أنه آخر رجل في العالم يصلح لأن يكون زوجاً لها .
ثم عرفته بالمعاشرة وأدركت الحقيقة الخافية عنها .. وعرفت أنه رجل يعبد ذاته وعاجز تماماً لو أراد عن أن يهتم بأي إنسان آخر سواه ، وليس بخله هذا سوى مظهر واحد من مظاهر وحدته»، إلى  
جانب عجزه النفسي عن أن يعطى لزوجته من فكره ومشاعره واهتمامه شيئاً . 

وهي كامرأة فى حاجة إلى زوج يسكن إليها وتسكن إليه، ويهتم بها وتهتم به ، ويتحمل مسئوليتها وتصبح حقيقة ومجازاً في «عصمته» بعد أن كانت في عصمة أبيها . والعصمة لغوياً هى المنعة والاحتماء بملجأ يلتجيء إليه الإنسان فيمنع عنه الخطر .. والأذى .. والمعصية .. والمرأة حتى فى أكثر المجتمعات تحرراً فى حاجة إلى «عصمة» من تحب ومن تشاركه الحياة ، أى إلى حمايته وحبه وعطفه وإحساسه بمسئوليته عنها ، ولقد أيقنت من أن زوجها ليس هو الملجأ ولا الحماية .. وأدركت ببعد نظرها أنها لو أنجبت منه فلسوف تكون الأم والأب لطفلها والأرملة) المسئولة عن أولادها فى حياة زوجها من ميلادهم حتى نهاية العمر فعرفت أنها قد تزوجت الرجل الخطأ .. وأن من صالحها التحرر هذا الزواج قبل أن تتفاقم عواقبه بالإنجاب ، لهذا رحبت بالطلاق ، لكنها لبعد نظرها لم تبدأ بالمطالبة به حتى لا يساومها على منحه لها مقابل التنازل عن حقوقها الشرعية .. وتركته هو يقترحه فتوافق عليه بلا مرارة.. 

ثم تنازلت عن نصف حقوقها وهى تغالب الضحك منه والرثاء له هو يستعطفها كطفل أخطأ ويطلب العفو من أمه ! أما ما لم يعرفه زوجها ... ولو عرفه الآن لأصيب بنوبة قلبية فهو أنه لو كان قد تماسك قليلاً خلال مفاوضات الطلاق .. ولم يتهافت .. ويفزع مما رأى نفسه مطالباً بأدائه فتجرأ وطالبها بأن تتنازل عن كل حقوقها مقابل الطلاق ثم أصر على هذا المطلب .. وإلا فالمحكمة أمامك .. لما رددت زوجته لحظة فى التنازل عنها كلها بلا ندم لكى تطوى هذه الصفحة الخائبة من حياتها سريعاً ..

إذ ماذا تعنى الحياة مع زوج لا تحبه ولا يشعرها بحبه واهتمامه ، ولا يريد أن يتحمل مسئوليتها النفسية والأدبية والاجتماعية .. ناهيك عن بخله المقزز وتوحده فى ذاته الذى يجعل من الحياة معه امتداداً لجلسة النادى بين زملاء لا يجمع بينهم سوى المكان !.


بعقلها و حكمتها أختارت  حريتها 




لقد خسرت نصف الحقوق .. لكنها «فازت» أيضاً بالنصف الآخر وبحريتها وبحقها فى أن تجد فرصة جديدة مع زوج آخر يفهم الحياة الزوجية كما أرادها الله .. «اثنين فى واحد وليس واحداً صحيحاً مجاوراً
لواحد صحيح آخر ، ولا أمل فى امتزاجهما أو التحامها ذات يوم . لقد أدارت المعركة بذكاء وكسبت نصف الجائزة بقدرتها على عدم إظهار تلهفها على الحصول على الطلاق . أما صديقى فلقد كان أحمق حين تصور أنه قد «فاز» بعدم دفع نصف الحقوق في حين أنه لو صبر قليلاً لفاز بالإعفاء الكامل منها !
لقد كانت عاقلة وحكيمة وبعيدة النظر فتركته هو يبدأ الخطوة الأولى.. ولم تتهافت على طلب الطلاق رغم إصرارها عليه ، ففازت بالكثير ولم تخسر إلا القليل .. بل ولم تخسر شيئاً .. لأن خسارة مثل هذا الزوج «فوز» .. أما الحقوق المادية فما أهونها على من يطلب حريته وسعادته .. ونصيبه العادل من الحياة.


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-