لماذا أعيش؟
الإنسان يبحث عن المعنى
بدأ
الأستاذ الدكتور / عبد العزيز القوصى بكلامه عن كتاب العلاج بالمعنى للمعالج
النفسى الأستاذ الدكتور / فكتور فرانكل عن روعة و عمق هذا الكتاب و تفاصيل تجربة
المعالج النفسى فى أواخر الخمسينات و قصة حبسه و تعذيبه فى معسكر من معسكرات الإعتقال
مما أٌقامه النازين فى الأربعينات ..
وقال
أن فرانكل حدد معلما جديد من معالم العلاج النفسى وهو ( العلاج بالمعنى )، و أساس
هذا ان الإنسان إذا وجد فى حياته معنى أو هدفاَ فإن معنى ذلك أن وجوده له أهميته و
له مغزاه و أن حياته تستحق أن تعاش بل إنها حياة يسعى صاحبها لإٍستمرارها و
الإٍستمتاع بمغزاها ..
و
الكتاب سجل خبره من أروع الخبرات البشرية فقد وجد نفسه صاحب القصة قد اصبح مجرد
رقم بعد ان كان شخصا ووجد نفسه عارياً جائعاً حافياً مجرداً من كل شيء.
لم
يعرف شيئاً عن أهله : أبيه أو أمه أو أخواته أو زوجته و أكتشف فيما بعد أنهم قتلوا
جميعاً .. ظل فى المعسكر يعانى من الجوع و البرد والقسوة و من توقع الإبادة فى كل
ساعه.
و
كل ما ينادى به فرانكل به أن الإنسان إذا وجد معنى فى أى جانب من جوانب حياته سواء
أكان جنساَ أو قوة أو ذرية أو خدمة عامة أو معاونة إنسانية فإن هذا يكون هدفاَ
يسعى إليه و يعيش من أجله وقد وجد فرانكل معنى فى المعاناه.
كذلك
وجد فى بعض الأحيان معنى فى الموت إذ يموت المرء سعيداً من أجل معنى دينى او
روحانى او وطنى.
و
يهتم فرانكل بالمستقبل اكثر مما يهتم بالماضى اللهم إلا إذا كان للماضى انعكساته
على المستقبل.
و
يتلخص عمل المعالج فى أن يكتشف الجوانب التى يمكن أن يكون لها معنى فى حياة من
يسمى بالمريض و على المعالج أن يساعد المريض فى تجميع هذه الجوانب و تعميقها و
تحويلها لتكون له مصدرا من مصادر السعى و الفاعليه والحيوية والإستمراريه
كان
دكتور فرانكل كطبيب نفسى يوجه سؤال مباشر إلى مرضاه الذين يعانون ( لماذا لم
تنتحر؟) و من خلال اجاباتهم كان يحاول ان يجد الرابط الذى يربطهم بالحياه ومن هذه
الروابط هو الحب الذى يربط الشخص بأبنائه أو الموهبه الذى عليه ان يستخدمها أو
الذكريات التى تستحق الإستبقاء محاولا ان يحول نموذج حياه محطمه إلى نموذج حياه
مليئه بالمعنى و المسئوليه وهذه هى غاية العلاج بالمعنى عند دكتور فرانكل.
و
من خلال خبرته كسجين مخضرم فى معسكرات الإعتقال و معاناته فى المعتقل و قد كل قيمة
قد تحطمت عنده ليعانى من البرد و الجوع والقسوه ..إنسان كهذا كيف يجد فى الحياه ما
يجعلها جديره بالبقاء؟
هذا
الطبيب النفسى واجه شخصيا تلك الظروف الشاذه فهو طبيب جدير بأن نصغى إليه لأن
كلماته بمنتهى الأمان و الصدق وبغاية الحق لأنها تستند على خبرات ذاتيه عميقه.
فقد
وصل فرانكل فى هذه المرحله أنه لايملك شيئاَ يفقده عدا حياته المتعرية بطريقة تبحث
على السخريه ثم تراوده فقط فكرة المحافظة على بقايا حياته رغم ان فرص البقاء ضئيله.
لكن
كل هذا لا يوفر شيئا لبناء ارداة الحياه
إلا اذا ساعدت الشخص السجين على ان يتوصل الى احساس اكبر انطلاقاَ من
معاناته البادية بالبلاده.
هنا
نقف على الفكره الرئيسيه للوجوديه فلكى تعيش عليك أن تعانى و لكى تبقى عليك ان تجد
معنى للمعاناة و اذا كان هناك هدف فى الحياه فإنه يوجد بالتالى هدف فى المعاناة و
فى الموت و لكن لا يوجد شخص يستطيع أن يخبر الأخر بماهية هذا الهدف فعلى كل شخص ان
يكتشف هذا الهدف لنفسه و ان يتقبل المسئوليه التى تحددها اجاتبه عن ماهية الهدف
واذا نجح فى ذلك فإنه سوف يستمر فى النمو رغم كل الهوان.
و
المؤلف كمعالج نفسى يريد أن يعرف كيف يمكن مساعدة الإنسان على الوصول الى هذه
المقدرة الانسانية المتميزه و يفهم كيف يستطيع ان يوقظ فى المريض الشعور بأنه
مسئول أمام الحياه مهما بدت الظروف قاسية.
و
يخرج فرانكل بنظره بمفعمه بالرجاء و الأمل فى مقدرة الانسان على ان يسمو فوق
حالته و متاعبه و ان يكتشف الحقيقه الملائمه الموجهه له.
و يعرض الجزء الأول من
الكتاب
خبرات الكاتب فى معسكر إعتقال
لا
يعرض هذا الكتاب عرضا من الحقائق و الوقائع وانما يقدم خبرات شخصية .. خبرات
يعانيها ملايين المسجونين من وقت لأخر و
يعرض أيضا كيف كانت الحياة اليومية فى معسكر الإعتقال و كيف تنعكس فى عقل السجين ؟
وفى
سجن كهذا الكفاح الشاق فقط من أجل البقاء و من أجل الخبز اليومى من أجل الحياه
ذاتها .. كل ذلك فى سبيل الشخص ذاته او فى سبيل صديق حميم.
فكان
يسيطر على كل شخص فكرة واحده وهى ان يظل على قيد الحياه من اجل الاسره
والإستثناءات
الوحيده من ذلك كانت اولئك الذين فقدوا إرادة الحياه وابتغوا ان يستمتعوا بأيامهم
الأخيرة .. فعندما كنا نرى زميلا يدخن سجائره فإننا كنا نعرف أنه قد فقد الثقه
فى قدرته على المواصلة و عندما تفقد الثقه فإن إرادة الحياه نادراً ما تعود.
و
قام فرانكل بتقسيم مراحل السجين الى ثلاث فترات
او
ثلاث أطوار يمر بها ردود الافعال العقليه لدى النزيل حيال حياة المعسكر
الفترة
التى تعقب ادخاله المعسكر مباشرة وسماها بالصدمه
و
الفترة التى يكون فيها قد اندمج تماما فى نظام المعسكر
ثم
الفترة التى تعقب إطلاق سراحه و تحرره.
ووضح
فرانكل ما الذى كان يحلم به السجين فى معظم الحالات ؟لقد كانت اقصى احلامه تدور
حول الخبز والكعك .
و
رغم كل مظاهر الإنحطاط الجسمى والعقلى للحياة فى معسكر الإعتقال إلا إنه كان من
الممكن للحياه الروحية أن تقوى و تعمق أما الأشخاص الحساسون الذين تعودوا على
الحياة العقلية الغنية ربما قد عانوا الكثير من الألم وغالبا ما كان تكوينهم رقيقا
إلا أن درجة تعرض ذواتهم الداخليه للأذى كانت اقل فكان فى مقدورهم ان يتخلوا عن
الواقع المفزع المحيط بهم إلى حياة من الثراء الداخلى والحرية الروحيه.
و
أشار فرانكل إلى اكتشاف مهم من خلال الموقف التالى :
عند
سير قافلة المسجونين فى عز البرد القارص مع جسدهم النحيل الخالى من الغذاء مع
ارجلهم المتورمه كانوا عليهم ان يمشوا بطريقة معتدله ومن لم يفعل يتلقى رفسه قوية
غير الإهانة ووسط كل هذا هم زميل لفرانكل
الذى كان يسير خلفه قائلا له ( ماذا لو ان وجاتنا رأيتنا الأن ارجو ان يكن احسن
حالا فى معسكراتهن و ألا يعلمن بما يجرى لنا).
هذا
الكلام ذكره بزوجته برغم صعوبة الموقف الذى كان فيه اخذ يفكر فى زوجته ويتخيلها
امامه تبتسم له و تنظر اليه تشجعه وتهون عليه فكان هذا الخيال بمثابة مسكن له فى
هذا الوقت العصيب و اكتشف حافز أخر مهم للحياه.
وهو
الحب …وهو الهدف الغائى والأسمى الذي يمكن ان يطمح اليه الانسان ثم ادرك معنى
السر الأعظم الذى ينبغى ان يفصح عنه الشعر الإنسانى و الفكر الإنسانى و الإيمان
الإنسانى وان خلاص الإنسان هو من خلال الحب و فى الحب وفهم كيف ان الانسان الذى لم
يتبق له شىء فى هذه الدنيا لايزال يعرف السعاده.
لم
يكن يعلم ان زوجته على قيد الحياه ام لا برغم ذلك قوة حبه و افكاره و سيطرة صورة
زوجته كانت تكفيه لتهون عليه ووصف الحب وقتها بأنه هو الخاتم الذى يبصم نفسه على
القلب وهو فى قوته كالموت ..
وصل
فرانكل الى اكتشاف اخر خلال محنته وهو إختيار الهرب الى الماضى و من شأنه يقوم بالتقوية
للحياه الداخلية أن تعين السجين على أن يجد ملاذاً يلجأ إليه هرباً من الفراغ
والدمار و الفقر الروحى لوجوده .
و
تكلم ايضا عن الإحساس بالجمال عند السجين كيف اخذ شكل اخر اعمق و كيف لزميل ان يلفت انتباه زميله ليرى
المنظر الخلاب لغروب الشمس و تخلل اشعتها للاشجار الجميله الطويلة بالغابات ..
معلقين على هذا ا لمنظر ( كم يمكن ان تكون الدنيا جميله )
وو
ضح ايضا ان المعاناة حالة نسبية و ان المعاناة موجودة فى كل مكان.
و
تحدث فرانكل عن التحاقه بفريق العمل الطبى فى المعتقل و بصورة ما من الممكن ان
يكون هذا موته فى فترة قصيره إلا أنه فسره ان على الاقل ان يكون لموته معنى .. من
خلال مساعدته فى شفاء بعض السجناء بدلا من حياة البلادة التى كان يعيشها ا فقدانه
لحياته فى النهاية كعامل غير منتج حينذاك على حد وصفه.
اكتشف
فرانكل أن بقائه مع مرضاه هو افضل اختيار عنده و يكسبه احساس بالسلام الداخلى
وأن
الحرية الداخلية لا يمكن فقدها
وان
الحرية الروحية لا يمكن سلبها من اى انسان التى تجعل الحياه ذات معنى وذات هدف
و أن هناك معنى للألام و المعاناه فإنهما
جزء من الحياه ويتعذر الخلاص منهما شأنهما فى ذلك بل فى مقدمتهما القدر والموت
وبدون المعاناه وبدون الموت لاتكتمل حياة الانسان.
وقسم
فرانكل المسجونين الى قلة من الممكن ان يحولوا حياتهم الى انتصار داخلى و يعمل من
هذه الخبرات نصرا او الاكثر ان يتجاهل التحدى ويركن ببساطه الى البلاده
وفسر
ايضا معنى الحياه انهاً شيئا حقيقيا و محدداً للغاية مثلما تكون مهام الحياه ايضا
حقيقية و محدده للغاية فهذه المهام تشكل مصير الشخص.
فحينما يجد الإنسان ان مصيره هو المعاناه فإن عليه ان يتقبل آلامه ومعاناته كما
لو أنها مهمة مفروضه عليه وهى مهمه فريدة
متميزه.
و لا أحد يستطيع ان يخلصه من
معاناته او يعانى بدلا منه.
و من الضرورى ان نواجه كل
المعاناه محاولين الإحتفاظ بلحظات الضعف وبفترات الدموع المنهمره الى الحد الادنى.
ولم تكن هناك من حاجه الى
الشعور بالخجل من الدموع لأنه الدموع تحمل دليلا على ان الانسان يحظى بأعظم شجاعة
وهى شجاعة المعاناه.
و وجه فرانكل نصيحه لحالتين شرعتا الى
الانتحار بأن الحياه لازالت تتوقع منهم بعض الاشياء.
و أستشهد أيضا بقول نيتشه ( ان مايقتلى
يجعلنى اقوى )..
أوضح بعد ذلك نفسية السجين بعد الافراج
عنه و قبل ذلك نفسية الحراس انفسهم و سبب تعاملهم القاسى المتبلد مع المسجونين.
و قسمهم الى نوعين نوع تعود على هذا
العمل و على هذه الطريقة فى معاملة المسجونين وانه لا يمنع ان تكون المعامله ولا
يفضلها فى نفس الوقت وان هذا النوع تبقى من بعض الانسانية
و النوع الاخر من الحراس النوع السادى
الذى يستمتع بتعذيب الأخرين
و بعد ذلك وصف شعور السجين بعد الإفراج عنه و نفى تماماً احساسه بالسعاده او السرور فإنه
للأسف فقد القدره على الاحساس بالسرور بعد سنوات فى السجن و التعذيب و لم يشعروا
او يدركوا معنى الحرية وقت الافراج عنهم وسماه بمصطلح ( إختلال الشخصيه )
و ان السجين المفرج عنه يحتاج الى رعاية معنوية شديده ووقت لإستعادة
مشاعره الطبيعية تجاه الاشياء
المبادىء الأساسية للعلاج بالمعنى
و بدأ فى هذا الجزء فرانكل بتعريف العلاج
بالمعنى اكثر و انه يركز اكثر على المستقبل ففى العلاج بالمعنى يواجه المريض فعلا بمعنى
حياته و أن الشخص العصابى يحاول الهرب من الوعى بالكامل بمهامه فى الحياه فإنه
يركز على الوجود الانسانى و سعى الانسان الى البحث عن ذلك المعنى حيث هو القوه
الدافعية الاوليه فى الانسان.
و ان العلاج بالمعنى يعتبر مهمته مساعدة
المريض على ان يجد معنى فى حياته
و
وصف شعور الاشخاص الذين يشعرون باللامعنى لحياتهم فأشخاص كهؤلاء يعوزهم الأحساس
او الشعور بمعنى يستحق ان يعيشوا من أجله وهم يعانون من خبرة فراغهم الداخلى من
خواء وفجوة بداخل نفوسهم وانهم بذلك يصبحون مقيدين مأسورين فى ذلك الموقف الذى
اطلق عليه مصطلح الفراغ الوجودى
و استكمل فرانجل فى معنى الحياه ان هذا
السؤال اجاباته تختلف من شخص لاخر و عند الشخص تختلف من يوم ليوم ومن ساعة الى
اخرى و الذى يهمنا هو المعنى الخاص للشخص عن الحياه فى وقت معين.
لذا لا ينبغى الا نبحث عن معنى مجرد
للحياه فلكل فرد مهنته الخاصه او رسالته الخاصه فى الحياه التى تفرض عليه مهاما
محدودة عليه ان يقوم بتحقيقها ..فإن العلاج بالمعنى يرى فى الالتزام بالمسؤوليه
الجوهر الحقيقى للوجود الانسانى.
العلاج بالمعنى يحاول ان يجعل المريض
واعيا كل الوعى بإلتزامه بمسؤوليته ولذلك يجب ان نترك له حرية اتخاذ القرار بشان
إدراكه لنفسه كشخص مسؤول يتحمل مسؤوليته بإختياره لأهدافه فى الحياه.
و قال نستطيع ان نكتشف هذا المعنى فى
الحياة بثلاث طرق مختلفه
·
بواسطة
الإتيان بفعل وعمل
·
ان
نخبر قيمة من القيم
·
ان
نعيش حالة من المعاناه
